recent
أخبار ساخنة

السكن البويلولي

تقع قرية بني بويلول على سفح جبل بوناصر المرتفع عن سطح البحر بـ 3326م، تتشكل من مجموعة من المنازل المتراصة فيما بينها، تمكن الساكنة من الإحساس بالأمن والطمأنينة وعدم الشعور بالوحدة، يسود بينهم التضامن وحسن الجوار وصلة الرحم وغيرها من أواصر الترابط الاجتماعي. وسبب تموقعها في هذا المكان يرتكز على عنصرين أساسيين، أولهما اقتصادي الذي يتجلى في ترك الأراضي المنبسطة للأنشطة الفلاحية، والثاني أمني وهو البحث عن أماكن مرتفعة للمراقبة والأمن والتصدي لأي اختراق أجنبي محتمل.

اعتمد الإنسان منذ القدم على الإمكانيات الطبيعية المتوفرة في بيئته، فاستغل ما انعم الله عليه وما تجود به طبيعته واستثمرها في حياته المعيشية، الإنسان إبن بيئته كما يقال، المتغيرات المناخية كالحرارة، الرطوبة، الإضاءة، التساقطات والرياح تؤثر على راحة ونشاط الإنسان القروي بشكل عام، ولهذا يقوم بإعداد مسكنه وجعله ملائما لهذه الظروف بمـا يتناسب مع حياته اليومية، يلعب دور الحاجز بين الفضاء الخارجي والداخلي، ونظراً لكون مناخ المنطقة شديد البرودة فإن الأمر يتطلب تقليص مساحة النوافذ، وتلعب الجدران السميكة الطينية دورا كـبيرا في تعـديل درجـات الحـرارة الداخلية، وهذا ما ينطبق على ساكنة بني بويلول، فالمساكن أو المباني القديمة الطينية التي اعتمدوا عليها قديماً إلى يومنا هذا تتميز ببساطتها وملائمتها مع المناخ السائد في المنطقة، وقد استعملوا في بنائها مواد محلية طبيعية خالصة. العلاقة بين الإنسان الجبلي ومسكنه ومحيطه هي علاقة حميمة منذ فترة الاقامة، تتميز بصفاء العلاقات الاجتماعية التي ترتكز على البساطة والتعاون والتضامن في كافة الامور التي تهم القرية. 

حسب مجلة أفريقيا الفرنسية سنة 1913م، إن بني بويلول قرية مغربية تقع في الشمال الشرقي بإقليم تازة، تتكون من دوارين القصر الكبير والقصر الصغير، يحتويان على 80 دار سكنية و1600 أسرة، وعدد سكانها يصل إلى 1194 نسمة حسب إحصاء 1946م. وفي الإحصاء الرسمي للسكان والسكنى لسنة 2004م  يقدر عدد السكان بـ947 نسمة و84 دار سكنية، ومقارنة بين إحصاء 1946م و2004م  نجد أن هناك انخفاض في عدد السكان يقدر بـ 247 نسمة يمثل نسبة 20,7% ، حصل هذا طبعا  بسبب تفشي آفة الهجرة والنزوح إلى أماكن أخرى.(النسبة حسب معطيات الأرقام لسنة 2004م، لكن قد تكون أكثر مما نتصور، لأن الهجرة ما زالت مستمرة).

القرية عبارة عن دار كبيرة، هي الوحدة الأساسية المتراصة لقرية بني بويلول، الدار البويلولية (تدارت) هي وحدة اجتماعية سكنية للعائلة الموسعة التي تضم الأب والأم والبنات اللواتي لم يتزوجن بعد مع الأبناء وعائلاتهم ونسائهم وأبنائهم. الطريقة التي بني بها دوار أغْرَمْ أمَقْرَانْ بصورة عامة، تكون الدور«تُودْرينْ» ملتصقة ببعضها البعض، يفصلها جدار مشترك واحد أو إثنين أو ثلاثة حسب عدد الدور الملتصقة ببعضها البعض من جهة واحدة أو جهتين أو ثلاث جهات، بحيث أن للدار واجهة واحدة أو واجهتين فقط غير ملتصقة بالجيران إلا إذا كان المنزل منفرداً أو ملتصقاً بمنزل مجاور من جهة واحدة، كما تفتح نافذة صغيرة عند البعض «إيفْري» دائرية الشكل قطرها 30 سنتم في الجدار المشترك بين الجارين لتبادل الحاجات فيما بينهم. إنه فعلاً نمودج يرتكز على التآزر والتعاون وحسن الجوار. أما فيما يخص دوار تَاسَشْتْ، فجدران الدور الخارجية مزدوجة والأخرى يفصلهما جدار مشترك واحد أو اثنين أو ثلاثة حسب موقعها. ولهذا نجد أن بني بويلول قرية متراصة، تكون فيها السكنات متلاصقة ومشكلة كتلة واحدة متلاحمة.





تشكيلة السكن:


من المعلوم أن السكن البويلولي يتخذ عدة أشكال، قد يكون منزلاً مربعاً أو مستطيلاً بسقف مسطح. السكن البويلولي مكون من السفلي والطابق العلوي، يحتوي سطح الدار على بيت متوسط الشكل أو بيت كبير مسقف على ثلاثة جدران الجانبين والخلفي ومفتوح من الجهة الأمامية على واجهة السطح يسمى «أسْقيفْ»، وهو بيت خاص يجتمع فيه أفراد الأسرة لتبادل أطراف الحديث، ومناقشة المواضيع التي تهم العائلة، وفي الواجهة الأمامية للمنزل تحتوي بعض الدور على «تاسْطيحْتْ»، وهو سطح صغير مربع أو مستطيل الشكل، يستند سقفه مباشرة على الأعمدة الخشبية «تِيَجْدَا» أو على جدارين متقابلين، له درج من الخشب للصعود إلى الطابق العلوي.
يتم تسقيف المنزل البويلولي باستعمال مواد طبيعية خالصة منها مختلف أعمدة الخشب والسواري «إزَغْرَانْ، تِنَجْمَاطْ، تِيَجْدَا، الطَرْسيسْ»، توضع أولاً الأعمدة الخشبية بشكل متوازي لتحمل الضغط، ثم يوضع فوقها بشكل متراص مختلف الأخشاب الصغيرة والكبيرة بشكل جيد لتغطية جميع الفجوات، ثم يغطي الكل بطبقة من الطين الممزوج بقليل من التبن والماء مع تثبيت الأخشاب المغطاة بالطين وجعلها تتجاوز محيط الجدران الخارجية بنصف متر تقريباً حفاظاً عليها من تسرب مياه الأمطار تسمى «اتْشْفيفْتْ». كما يتم مراعاة إنشاء السقف بشكل مائل قليلاً لتتسرب مياه الأمطار نحو الميزاب «تَفْرَاوْتْ» الذي يقوم بتصريفها إلى خارج المنزل. يستعمل «أيْسُولْ» آلة خشبية لإزاحة الثلوج فوق السطوح، وَ«أزْدُوزْ» وهو الدكاكة لدك التربة فوق السطوح لحبس القطر، وكذلك لدك تربة البيادر«إنورارْ» بعد تبليطها بالطين وتسويتها.

وتعدد الغرف داخل الدار يدل على كثرة الأولاد والأقارب داخل أسرة نووية واحدة أو على غنى صاحبه. يتكون السكن البويلولي على المستوى الداخلي في الطابق العلوي من غرف وبيوت سواء كانت ضيقة أو واسعة، منها «تازَقا مفرد تيزَقا» وهو بيت أو بيتين صغيرين لتخزين أغراض العائلة وآخر يتم إعداده لليلة الدخلة للعروسين في مناسبة الزواج، وهناك أيضا بيتين أو ثلاثة بيوت متوسطة خاصة للمتزوجين، ثم «تَانسْريشْتْ، بيتْ إينيجيوَنْ»، إنه بيت كبير يقع في الواجهة الرسمية للمنزل مخصص للضيوف له باب مستقل للدخول إليه والخروج منه، إنه بيت يدل على مقام صاحبه ووضعه الإجتماعي، يحتوي بداخله على فراش أرضي بسيط، وفي الطابق العلوي توجد فيه رحة يدوية «تَاسيرْتْ أوفُوسْ» توظفها النساء لطحن الحبوب، وفي وسطه يوجد مكان مطبخ العائلة «أجَرْواوْ» لتحضير الطعام والمأكولات والمشروبات ومكان خاص مجهز بآلات النسيج التقليدي(أزطا)، كما يوجد هناك ثقب دائري الشكل مفتوح على مكان بالطابق السفلي «الزّيوْشْتْ»، محيطه مرتفع ب 20 سنتم ليتجنب الجميع الإيقاع فيه، وخاصة منهم الأطفال الصغار، قطره نصف متر بعيد شيئاً ما عن موقد الطهي «أجَرْوَاوْ»، يطلق عليه باللهجة المحلية «تَانْتْ»، إنه مكان يتعوذ منه الجميع، تقع تَانْتْ تحت السلم الخشبي المعد للصعود إلى سطح الدار عبر نافذة صغيرة لها باب خاص يطلق عليها إسم «أزْنيقْ».

تلعب «تَانْتْ» دوراً مهماً يسكب فيها الماء المستعمل في غسل أواني المطبخ «أمَانْ إيسيريدَنْ»، إضافة إلى قطرات الماء التي تُقطر من قِرْبة الماء المعلقة فوقها خلف السلم لتصريفها إلى مكان في الطابق السفلي «الزّيوْشْتْ»، كما يلقى فيها الرماد المفرغ من موقد الطهي للتخلص منه، وتضاف هذه العناصر المهمة إلى السماد الطبيعي (روث الماشية)، وتحضرني هنا حالة من العادات البويلولية التي شاهدتها في صغري، وهي إذا غضب أحد من القاصرين وعزوفه عن وجبة الأكل مع أفراد أسرته «إيتْشَحْ»، وبعد الإنتهاء من الأكل وغسل الأواني، يصدر عليه حكم من طرف أحد الأبوين بسكب الماء المستعمل في غسل الأواني «أمَانْ إيسيريدَنْ» على رأسه عقاباً له على هذا الفعل الغير اللائق وتحذيره عن عدم تكراره.

يحتوي الطابق السفلي على بيتين أو ثلاث بيوت صغيرة حسب مساحة المنزل أحدها مخصص لتخزين أعلاف جافة يسمى «أنْوَالْ» وأخرى توضع فيها أدوات فلاحية وغيرها، إضافة إلى ذلك هناك مأوى خاص للحيوانات الأليفة، الماشية والأبقار والدواب والدواجن، إنه الإصطبل، الحظيرة أو ما يطلق عليه باللهجة المحلية «الزّيوْشْتْ»، فتكون الحيوانات في الطابق الأرضي، بينما تستقر الأسرة في الطابق العلوي، كما يخصص مكان أمام الواجهة الرسمية للمنزل يسمى «تَسْقيفْتْ» لجمع حطب الوقود المعد للطهي والتدفئة «إكَشُّوطَنْ، إسْغارن»، وإذا أحيط هذا المكان بسور صغير من الحجر أو الطين أو حطب الوقود يسمى«المَشوارْ»، تقوم نساء القرية بإحضار حطب الوقود من الغابة على شكل حزمات فوق ظهورهن «تِزدْمِينْ» مفرد «تَزْدَمْتْ»، ما يعرف محلياً بعملية «أزْدَمْ»، و كذلك يحضرن الماء من العيون في القرب «إيَدّيدَنْ» فوق ظهورهن للشرب والمطبخ، يطلق على العملية إسم «أجَمْ وَامَانْ». 
                                            
                                                                         نمودج للدار البويلولية (تدارت)
تلعب الدار البويلولية (تدارت) دورا مزدوجا، فهي تحمي العائلة وأمتعتها، تحفظ المحاصيل الزراعية، تأوي المواشي وتصون الأدوات الزراعية.





ونظراً للأعمال اليدوية التي تنجز داخل المنزل، نجد أن الدار البويلولية تعد وحدة إنتاج، في مجالها توجد عدة آلات وأدوات خاصة للنسيج التقليدي وللنجارة ومطحنة يدوية لطحن الحبوب وغيرها. كما تختزن كذلك المواد الأولية الضرورية من صوف وشعر وخشب وقمح وغيرها، المنتوج يُنجز داخل المسكن العائلي، هكذا استغل الإنسان البويلولي والقروي بصفة عامة فضاء مسكنه لصناعة ما تحتاج إليه أسرته من الوسائل الضرورية لتعيش وتستقر في أمن واطمئنان.
تعد الدار البويلولية وحدة إنتاج، تحتوي على أدوات النسيج والنجارة وطاحونة مع مواد أولية من صوف وخشب وحبوب التي تستعمل في الإنتاج. 
google-playkhamsatmostaqltradent