نعيش في هذا العصر بلا عقل ولا ضمير، بلا رحمة ولا شفقة، بلا راحة ولا طمأنينة، كثرت فيه المنعرجات والانحرافات، الالتواءات والمنزلقات، انهارت وتلاشت فيه القيم والأخلاق، حل محلها الانحلال والفساد، يسود فيه الظلم والانانية والتآمر، كثر فيه القلم وغاب الضمير، إنها تصرفات خارجة عن مسار الحق الالهي، نعيش في عصر التفكك والتمزق والتناحر والتناوش، عصر تسود فيه عدة أزمات كونية واجتماعية واقتصادية وعسكرية وإرهابية، زمان الزلازل والأعاصير والفيضانات، زمان التصحر والحرائق، زمان الحروب والإرهاب، زمان الاوبئة والفيروسات، زمان المجاعات والهجرة وفقدان الأمن الغذائي، زمان الانهيار الإقتصادي والاجتماعي والأمني، إنه عصر الأزمات تظهر واحدة تلو الأخرى، كثرت فيه الهجمات والحروب والتفجيرات والاغتيالات، إنها تشكل خطراً على حياتنا وتجعلنا أقل أماناً.
هذا ما نراه أكثر وضوحاً في افريقيا والشرق الأوسط، حروب مشتعلة من التدخل العسكري الخارجي، تمزق البلدان التي تدور فيها، تجعلها عرضة للاستعمار ونهب خيراتها، اضطرابات وتوترات وصراعات أخرى داخلية قد يكون سببها نزاعات محلية أو حروب أهلية أو طائفية، إنها لم تراجع التاريخ لتستخلص العبر والدروس الحقيقية عن التدخلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة التي مرت بها بعض الدول وحطمتها. العالم لا يعترف إلا بالقوي ولا مكان للضعيف فيه، هذا ما سجله التاريخ من وقوع حروب مدمرة هدفها التوسع على حساب الغير.
أناس من طينة خاصة، يجعلون أنفسهم فوق القانون، يتحكمون في ثروات الأرض، يعملون بما تهوى أنفسهم، إنه التسلط الاجتماعي بواقع التغافل عن العدالة، يعتقدون بأنهم فلاسفة زمنهم كأنهم يملكون زمام الكون علماً، يتفلسفون ويتحدثون ويكتبون عما يروج في عقولهم من أباطيل وهم في غفلة ساهون لم يتحرروا من قيودها، البعض منهم لا يزداد إلا كبراً وعناداً، ينشرون أفكاراً خاطئة، يسعون إلى زرع الفتن في المجتمعات البشرية، لا يبالون ولا يكترثون بعواقبها، لا يهمهم الأمر، وما يهمهم هو تحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية وغيرها، يتبعون هوى أنفسهم بلا حياء ولا دين، لا يردعهم الضمير ولا الانسانية، ولا العقل ولا النواهي، ولا الزواجر ولا العقوبات على ما اقترفوه من الجرائم والمخالفات، أصبحنا نعيش في عالم مليء بالمتناقضات، تدهورت فيه القيم والمبادئ والأخلاق الحسنة، غابت فيه روح الوطنية والكرامة، الغيرة والشهامة، النخوة والعزة والمروءة.
توترات سياسية وأمنية خطيرة لا تبشر بالخير، تهديدات كثيرة معقدة ومتنوعة، تفشت الأوبئة وحصدت أكثر من الحروب العسكرية، نشوب عدة أزمات في بعض الدول كبدتها خسائر مادية وبشرية كبيرة، التسابق نحو التسلح يزداد بدون توقف، التداخل بين الأسلحة النووية والتقليدية في الحروب المشتعلة تنذر بالخطر، هناك تهديد احتمال نشوب حرب نووية بسبب التوترات المتزايدة بين القوى العالمية، اختل النظام الدولي وأصبح متزعزع وغير مستقر، إنه يشكل تحدياً أكبر مما سبق بسبب القدرات التدميرية التي تمتلكها الدول النووية، السلاح النووي أكبر خطر محدق بالأمن العالمي، قد يمس كل دولة ولو كانت بعيدة عن مركز النزاع المسلح، أصبح الصراع الدولي في الوقت الحاضر خطيراً ومعقداً، عالمنا اليوم يسكنه الرعب، لقد تحول بشكل كارثي نحو الحروب المدمرة، نعيش في حقبة جديدة يكتنفها الغموض، قد تكون بداية نهاية العالم الذي نحن فيه، اختل النظام الطبيعي كذلك الذي يحفظ وجود الحياة على الأرض، نحن نتألم جميعاً لما يحدث في شتى بقاع العالم من صراعات مختلفة لا حد لها، إنها حياة مأساوية في تاريخنا المعاصر، الأمور تزداد صعوبة وتعقيداً، هكذا نجد العالم الحالي على فوهة بركان.
إن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعله خليفته في الأرض، وأمره بطاعته وعبادته، وبين له دينه وفصل له شريعته، وبين له حدوده، عليه أن يرعى أمانة الخلافة في أرض الله ليحظى بشرف اسمها، وفي حالة الإعراض عن حدود الله وعن شريعته وأحكامه قد يعجل الله بالعقوبة الدنيوية قبل الآخرة، وهذا ما نشاهده في وقتنا الحاضر من وقائع مؤلمة لا حصر لها، من تنبه واستقام على الأعمال الصالحة وهو في خشية الله يكون من الفائزين، ومن خالف وتجاهل فهو من الخاسرين، ولا شك أن الالتزام بشرع الله والعمل الصالح له أثر كبير في تثبيت الإيمان، يجب الاحتياط والحذر من الوقوع في فتن الدنيا الغرارة التي لا تمان، اللهم ثبتنا على دينك وحسن عبادتك وأحسن خاتمتنا، وجنبنا جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
وأبين هنا بعض العلامات الصغرى التي ظهرت وما زال ظهورها مستمراً، أصبحت عادية وطبيعية عند القاسية قلوبهم، إنهم لا يبالون ولا يتعظون بها، إنها تصرفات متمردة ورافضة للواقع، منغمسين في فتن الدنيا، تبعدهم عن التفكير الصحيح، لا يهتمون بالشؤون الدينية والروحية، يكتفون بالتفنيد والنقد الخاطئ، عدم اتعاظهم بآيات الله يدل على قسوة قلوبهم، إننا نعيش في هذه السنين الخداعات التي ظهر فيها المتنطعون في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، يقومون بنشر ما يحلوا لهم من أفكار تضليلية للدين الاسلامي، يقحمون أنفسهم فيما لا يعنيهم، إنهم يسيئون ولا يحسنون صنعاً، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون»، قالها ثلاثاً، وقال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ».
- انتشار الزنا: تفشت هذه الظاهرة وامتدت إلى زنا المحارم، (الأمراض والقتل وضياع النسل).
- كثرة شرب الخمر: أم الخبائث، انتشر الإدمان على الكحول والمخدرات، (الأمراض والقتل).
- ظهور المعازف: انتشرت المعازف بأنواعها وكثر المغنيون والمغنيات، (فساد المجتمع).
- كثرة النساء: حالياً، تعد إشارة واضحة على كثرة النساء بشكل ملحوظ بالنسبة للرجال.
- ظهور الكاسيات العاريات: صنفان من أهل النار، وما أكثرهن في هذا الزمان، (التحريض على الزنا).
- انتشار الربا: انتشر الربا بين الناس وعدم المبالاة بأكل الحرام، (مآله البطالة والفقر وغيره).
- كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق: انتشر الظلم والجور وضياع حقوق العباد.
- قطع الأرحام: تفشت هذه الظاهرة وهي من أعظم الكبائر التي يستحق صاحبها العقوبة عليها يوم القيامة.
- تطاول رعاء الشاة في البنيان: وما أكثرهم في هذا الزمان، حدث ولا حرج.
- كثرة الزلازل: كم من زلزال وقع في كثير من البلدان نتج عنه دمار وخراب وأزهق أرواحاً كثيرة.
- الهرج والمرج وكثرة القتل: تفشت هذه الظاهرة وأزهقت كثيراً من الأرواح بسبب غياب العقل والضمير والاستخفاف بالدم.
- ظهور موت الفجأة: وهو ما يعرف عند البعض بالسكتة القلبية، كم من روح زهقت بسببها.
- ظهور القلم: لقد انتشرت هذه الظاهرة بشكل واسع بكثرة الكتابة والتحرير والنشر في أرجاء العالم.
وإذا تدبرنا في الآيات القرآنية الكريمة التي تخبرنا عن الأقوام السابقة ما حل بها من عقاب أليم بسبب عصيانهم لأنبياء الله وعدم الإيمان بالرسالة التي بعثوا بها، نجد أن كل ما جاء في هذه الفتن وأشراط الساعة الصغرى ينطبق على واقعنا المعاصر وما يعرفه من أحداث مؤلمة، إنها أحداث متسارعة ومتلاحقة قدرها الله سبحانه وتعالى علينا في هذا الزمان، قد تكون إما إبتلاءً أو عقوبة أو نقمة أو إبدال قوم بقوم آخر. أطرح هنا أسئلة وأقول: لماذا لا ننظر لنفهم ما يجري حولنا في العالم؟، لماذا لا نتعظ بهذه الآيات والأحداث التي نراها ونشاهدها في حياتنا اليومية بالصوت والصورة؟، بالله عليكم كيف ترون واقعنا اليوم؟، إنه واقع مُر يدمي القلوب دماً، يجب علينا أن نتمعن ونتفكر في هذه اﻷحداث ونستخلص منها العبر والدروس لإدراك الحقائق والرجوع إلى الله بالتوبة الخالصة مع اﻷعمال الصالحة قبل فوات الأوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نحن نحترم البشر بصفة عامة، كما نحترم آراء البعض منهم بالدليل العقلي الذي يؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة، شريطة أن لا تتعارض أفكارهم عما جاء في القرآن والسنة، نأخذ منها ما هو صالح ونترك ما هو طالح، الاختلاف رحمة كما يقال، لكن ليس الخروج عن الصراط المستقيم كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: «وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖوَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
نحن بحمد الله متفائلون ونتوقع كل الخير في مستقبل إسلامي زاهر يسود فيه السلم والسلام، وأن نبتعد عن النظرة التشاؤمية على ما نعيشه من أحداث مؤلمة، الله سبحانه وتعالى قادر على تبديل المخلوقات والتغيير في اﻷحداث والوقائع من سيئ إلى أفضل، إنه على كل شيء قدير.
نحن لا يحق لنا أن نصدر أحكاماً جزافية على البشر مما أصابهم من ابتلائات وعقوبات ومحن وغيرها، ولكن لا يحق لنا أيضاً أن نزكي أحداً، فالتزكية فقط من الله سبحانه وتعالى كما قال في كتابه الكريم:«فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى»، «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً» صدق الله العظيم.
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
- «قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ».
- «وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا».
- «فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»
- «وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ۖكَيْفَ كَانَ نَكِير».
- «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».
- «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».
- «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور»..
- «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ».
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث:
- «يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت».
- «سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث».
إن الله لا ينزع أو يسلب نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح، يجب أن نتعظ ونأخذ العبرة مما جرى للأمم السابقة وما مر عليها من أحداث وتجارب مع ما نعيشه في واقعنا المعاصر، يجب التحلي بالأخلاق الحسنة التي لها تأثير على العقيدة والعبادات في مقاومة الانحراف والوقاية من الجرائم، عالم يحتاج إلى المعايير المنظمة للعلاقات الاجتماعية لتحقيق السلام والاستقرار.
النظام يعتمد على التوازن المتحرك بين جميع المستويات الإجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إنه يحتاج إلى بناء الشخصية السوية بميزان العدل التي تعيد الأمور إلى السواء بإقامة العدل ورفع الظلم وتحقيق السعادة والرخاء والأمن والاستقرار، يتحقق ذلك بالمحافظة على الاسلام وألا يتغير شيء من ثوابته وجوهره وروحه، يجب على المسلم أن يكون وفياً لدينه، ثابتاً على إيمانه، مخلصا لوطنه كما يقال، بالعدل تبنى اﻷمم ويطول بناؤها، بالعدل تستقر اﻷمم ويدوم استقرارها، بالعدل تحيا اﻷمم وتسود. اللهم احفظ ملكنا ومملكتنا من كل بلاء ومكروه آمين والحمد لله رب العالمين.
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

