recent
أخبار ساخنة

النفس والوسطية

الصفحة الرئيسية

النفس البشرية:

تولد النفس البشرية على الفطرة كصفحة بيضاء خالية من عناصر الخير والشر، لكن بعد ولادتها تخضع لعدة عوامل خارجية تؤثر في سلوكها وأذكر منها عامل التنشئة، الغرائز، العقل، الوراثة، الدين، الثقافة، البيئة وغيرها. عالم النفوس البشرية هو العالم الخفي، عالم عميق جدا تذوب فيه عدة أفكار وتحليلات بشرية، الإنسان له نفس واحدة، تنتابها الغرائز، ولكن لهذه النفس صفات وأحوال تختلف من شخص لآخر في كل زمان ومكان، تمر عليها أحوال كثيرة مختلفة، ترتقي أحيانا وتعلو فتكون في أعلى درجات الارتقاء، وتنحط أحيانا وتضعف فتصل إلى أدنى مراتب الانحطاط.

عالم مليء بالمتناقضات، عالم يختلط فيه الخير والشر، الحب والخيانة، الحق والباطل، الكفر والايمان، المحبة والكراهية، الأمن والقتال، التراضي والصراع، السكينة والاضطراب، الطمأنينة والقلق، القناعة والطمع، الكرم والجشع، التواضع والتكبر، الاعتدال والغلو، الايمان والنفاق، الصدق والكذب، الأمل والقنوط، اليسر والبؤس، التفاؤل والتشاؤم، الخيال والواقع، الوهم والحقيقة، الوضوح والغموض، الكرم والبخل، الليونة والقسوة، البساطة والجبروت، الأمن والخوف، الغدر والوفاء، الرشد والحيل، الاخلاص والمكر، السعادة والشقاء...، إنها تناقضات كثيرة تسير عليها النفس البشرية، عالم من الايجابيات والسلبيات وما أكثرها، إما الشحن الايجابي أو السلبي للنفس أو كلاهما، قد يتساويان أو يترجح أحدها على الآخر، تتدحرج النفوس البشرية في بحر الدنيا بين هذه المراتب المختلفة، تختلف منزلة كل واحدة منهن حسب سلوكها، النفس تضمر خبايا وأسرار تحدد خاتمة صاحبها، إنها متعلقة ببدنها، هي التي تعمل في تنوع حركته وكيفية تسييره ما دامت في بدنها، إلا أنها ستفارقه في أجل مسمى ويقع الانفصال وتنتقل إلى عالم جديد لا نهاية له.

التوسط والإعتدال :

تتكون الشخصية الانسانية  من  صفات جسدية ونفسية متفاعلة، تكون موروثة ومكتسبة، إنها مزيج من  عوامل مختلفة كالإهتمام والإنضباط، الإنفتاح الإجتماعي، الدوافع  والعادات والميول، العقل والعواطف، الآراء  والعقائد  والأفكار، الاستعدادات والقدرات، المشاعر والأحاسيس، الإخلاص والثقة، السمات وغيرها، هذه العوامل كلها تساعد الإنسان  في بناء شخصيته الطبيعية ويكسب القدرة على السلوك الإجتماعي الحسن المرضي للجميع، قد يقول أحد من الصعب تحقيق التصالح مع النفس والتوازن مع الآخرين، لكن التصالح مع أنفسنا ومع من حولنا هو أساس السلام الداخلي والخارجي للفرد والمجتمع، إذا كانت صفات حميدة صالحة للذات والغير يتحقق التوازن والإسقرار في الفرد  والمجتمع، أما إذا كانت خلاف ذلك يقع الخلل في سلوك الشخص ما يجعله محطة النقد الدائم ويفقد محبة الناس واحترامهم لشخصيته. 

الإنسان السوي:

الانسان السوي هو الذي يخلو من أعراض الصراع العقلي، يحقق أهدافه بالعمل والإنتاج في ظل الراحة النفسية الداخلية والخارجية والتكيف الإجتماعي القويم، لا تتغير صورة مظهره  وأخلاقه  عند الجميع، ثابت في أقواله وأفعاله، يلتزم  بالإعتدال في أمور الحياة الدينية والدنيوية دون إفراط ولا تفريط،  يعمل ما في وسعه لكي يكون مقبولا ومحبوبا في مجتمعه،  يحرص على أداء السلوك القويم في الوسط الذي يعيش فيه، معتدل في منهجه وحياته وأقواله وأفعاله، يحترم قواعد الحياة الاجتماعية بما فيها القيم الدينية وغيرها، يلتزم بالآداب ويتمسك بالصواب، ينسجم مع مجتمعه  ويتوافق مع قيمه، يشعر بثقة تامة وبمقدرته التحكم في تصرفاته. 

الإنسان السوي هو الذي يتصالح مع نفسه  ومع مجتمعه، يعتمد على ذاته  ويفكر في مشاكله،  واقعى  متكيف مع الناس والأحداث، يعلم بأن الحياة كفاح  واجتهاد، مليئة بالتغيرات الإيجابية والسلبية، يتمتع  بالمرونة  والليونة، عقلانى ومسيطر على انفعالاته، ليس له أعداء، محب للجميع، صادق ولبق مع نفسه ومجتمعه، يتحلى بروح الدعابة، منفتح غير أنانى،  يتقبل النقد بصدر رحب، يتعلم الحكمة  من أخطائه  وتجاربه الماضية، لديه أفكار ومشاعر ملائمة، قادر على تحمل الأزمات والنقد والإحباط والفشل، التوازن هو سر نجاحه  وسعادته. 

عقل الانسان هو الذي يصنع الخير والشر، هو الذي يجعله شقيا أو سعيدا، غنيا أو فقيرا، عالما أو جاهلا، العقل قادر على التفكير المتطرف الذي يؤدي إلى ارتكاب الجرائم،  وقادر أيضا على التفكير السليم المؤدي إلى النجاح والسعادة، على كل إنسان أن يتعلم استبدال الرأي السلبي بالإجابي ليطلع إلى مستقبل مشرق، أن يبتعد عن ضروب الفشل الماضية التي يمكن له أن يصلحها، الحاضر والمستقبل تحت تصرفه، عليه أن يحسن تدبير أمرهما بالإعتدال لينعم بالحياة المتزنة، عليه أن يستمتع بعواطفه ومشاعره بأسلوب حسن، لا يمكن أن يجتهد في طلب الكمال، الكمال لله الواحد اﻷحد، عليه أن يسعى لتحقيق الوسطية المعتدلة التي ترضي الله والعباد، التوازن والتوسط حالة محمودة لدى الجميع، إنه مطلب شرعي يحقق المصلحة العامة والوطنية. 

قال سبحانه وتعالى:

  • «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا».
  • «فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا».
  • «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى».
  • «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ».
  • «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا».
  • «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا».
  • «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا».

الوسطية تبعد عن التطرف الفكري والديني والسياسي، تبعد عن الصراعات الكراهية والفتنة، ترفع من قيمة التعايش والإخاء والإحترام، تمد جسور الثقة والحوار الجاد بين جميع الفئات البشرية، الاعتدال والإستقامة في كل شيء يحققان الهدوء والطمأنينة والإستقرار، لا تحصل الإستقامة إلا بالعلم النافع، العلم نور وضياء لصاحبه، من لزم الإستقامة لزمته السلامة في الدنيا والآخرة، إنها تحقق له اﻷمن واﻷمان في الدارين، تتنزل عليه السكينة والهدوء، إن كل أفعال الإنسان إن لم تكن الإستقامة مرافقة لها فلا قيمة لها إطلاقا.

 يجب علينا أن نتقبل الواقع  ونساير المجتمع  بشكل مرن، أن نتكيف مع الناس بالمودة والتقدير والتفكير في كل ما هو حسن وطيب وجميل، أن نجتنب جميع الصفات الممقوتة من عناد وسرعة الغضب والتعصب السياسي والديني وغيرها، أن نكون متعاونين  وصادقين، متسامحين عطوفين غير أنانيين، مسالمين  ذوي مزاج  معتدل، غير قانطين ولا متشائمين، أن نتمسك بعقيدتنا الدينية الإسلامية السمحاء بدون غلو ولا تطرف، إنها البنية الروحية اﻷساسية للفرد والمجتمع، أن نكتسب مناعة ضد كل ما يعترينا في حياتنا اليومية من ضروب الفشل والإحباط.

في هذه الدنيا صنفان من الناس يصاحبهما تياران مختلفان، تيار هادئ يجر الطرف  المتزن إلى  بر اﻷمان،  وتيار مضطرب  يجرف الطرف المضطرب  إلى غير الهدى، على كل شخص أن يرسم في حياته خطة عمل حسنة لينجح  في الدارين، من ملك الهداية ملك كل شيء،  ومن خسرها خسر كل شيء، الهداية تنور  قلب الانسان إذا عمل بأسباب الخير،  وحرص على أن يرزقه الله  الهداية التامة الموصلة إلى السعادة والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. اللهم ارزقنا حسن التدبير في الأمور كلها واهدنا إلى سواء السبيل، آمين والحمد لله رب العالمين.

شخصيتك عنوانك أمام مجتمعك، معيار لتقييمك في حضورك وغيابك، تفتخر بها، تخجل منها أو تنزعج منها.
google-playkhamsatmostaqltradent